" أمير الشعراء * أحمد شوقي * "
مقدمة : قلما اتفق المؤرخون و الأدباء على تقييم الشعراء , مثلما اتفقوا على وصف و تقييم الشاعر أحمد شوقي ..
فقد لقب " أمير الشعراء " دون منازع - و قد أجمعوا أنه كان تعويضا عن عشرة قرون خالية من روح الشعر , فبعد المتنبي
لم يظهر شاعر موهوب يعيد للشعر صفائه و بيانه , إلى أن ظهر الشاعر أحمد شوقي , و خلال هذه الفترة الطويلة ما بين
الشاعرين بقيت الساحة الشعرية خاوية من الشعر الأصيل , و الغريب أنهما يتشابهان بدرجة كبيرة , فكلاهما خالط
الملوك و الأمراء , و عامة الشعب .
فشوقي كان مقربا للقصر الملكي في مصر , لكنه لكنه كان شديد الصلة بالشعب البسيط , فعرف كيف يصف طباعهم
و حياتهم . و هو مثل المتنبي في جزالة شعره و اهتمامه بالوصف و المديح و الرثاء , و قول الشعر النادر و المبتكر
و غير المطروق . فجاء شعره قمة في الرونق و العذوبة و الأصالة .
نشأته و حياته :
ولد أحمد شوقي في القاهرة عام 1868 ميلادية من أب كردي الأصل و أم شركسية , و يذكر أن جده جاء لمصر
يحمل وصاية من أحمد باشا الجزار والي عكا آنذاك إلى محمد علي باشا حاكم مصر , فأدخله في حاشيته و بين
رجاله إلى أن أصبح أمينا عاما للجمارك المصرية في عهد سعيد باشا .
توفي والده وهو صغير السن , فدخل في كفالة جدته لأمه , و كانت وصيفة بالقصر الملكي في عهد إسماعيل باشا
فنشأ من صغره في القصور و بين الأمراء و الخاصة .
تلقى علومه الأولى في القاهرة و فيها درس الحقوق و الترجمة و نال الشهادة العليا . ثم ابعثه الخديوي توفيق باشا
إلى فرنسا ليتابع دراسته هناك و مكث فيها أربعة أعوام بين " مونبيلية و باريس " عاد بعدها للقاهرة و تدرج في
المناصب الحكومية حتى تولى رئاسة " القلم الفرنجي " في عهد عباس باشا . و في عهده سطع نجم أحد شوقي .
و حظي بمكانة كبيرة في القصر فكانت كلمته لا ترد , و ظل على هذا النحو إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى
عام 1914 ميلادية , و على أثرها ظهر خلاف بين الخديوي عباس و الإنكليز الذين أجبروه على التنازل عن عرش
مصر و نفوه خارج البلاد .
و نال شاعرنا مثلما نال مليكه و أُ بعد هو الآخر فذهب منفيا إلى برشلونة و أقام فيها حتى نهاية الحرب و هناك
انصرف بشعره نحو الشعب يدافع عن قضاياهم و يتغنى بجهاده . و ما لبث أن عاد إلى مصر في عهد فؤاد الأول و أقيم
له مهرجانا تكريميا بدار الأبرا برعاية الملك حضره أقطاب الأدب في العالم العربي اعترافا بأدبه الرفيع و الملتزم .
وظل على حاله موضع الإكبار و التكريم حتى انتقل إلى جوار ربه في عام 1932 ميلادية .
أعماله : يعتبر شوقي من الشعراء المحافظين " دينا و خلقا و فنا " فراه يردد بشعره أسماء الأنبياء و الكتب السماوية
و الخلفاء المسلمين و الأماكن المقدسة , و ينظم شعره على منوال فحول الشعراء في العصر العباسي , و هو يلتزم
التزاما تاما بالعمود الشعري للقصيدة العربية , و نادرا ما استعمل الأوزان الحديثة , مع الإشارة إلى أنه اهتم بالشعر
القصصي و الغنائي و الوطني مثل أراجوزة " دول العرب " و قصيدة " وادي النيل " .
و كذلك نظم الشعر التمثيلي مثل رواية مصرع " كليوباترا - و مجنون ليلى - قمبيز - علي الكبير - عنترة " و أدخل
بذلك تجديدا هاما للشعر العربي . و لشوقي ديوان شعري زاخر يقع في أربعة أجزاء , و نثر مسجوع جُمع في كتاب
سماه " أسواق الذهب " و له أيضا جملة من أغاني و قصائد الأطفال . و قد عكف الأدباء و المفكرون على دراسة
شعر أحمد شوقي و تحليل مغانيه و بيانه و المكتبة العربية مليئة بهذه الدراسات فهو مثل المتنبي كما أسلفنا
" مالئ الدنيا و شاغل الناس " .و قد اخترنا من شعر شوقي قصيدة يصف فيها دمشق عندما زارها و وقف بمدخلها
" الغوطة " و راح يصفها بعد أن فُتن بجمالها و رقتها و عذوبة مياهها " نهر بردى " فأنشد يقول :
آمنت بالله و استثنيت جنته دمشق روح و جنات و ريحان
قال الرفاق و قد هبت خمائلها الأرض دار لها " الفيحاء " بستان
جرى و صفق يلقان بها "بردى" كما تلقاك دون الخلد رضوان
دخلتها و حواشيها زمــــردة و الشمس فوق لجين الماء عقيان
و الحور في دمر أو حول هامتها حور كواشف عن ساق و ولدان
و ربوة الوادي في جلباب راقصة الساق كاسية و النحر عريان
و الطير تصدح من خلف العيون بها و للعيون كما للطير ألحان
انظر إلى هذا الوصف الرائع و هذه السلاسة بالتعبير , و هذه الصنعة البديعة من التشبيه و الكتابة دون تكلف
أو اصطناع , ربما لم يصف شاعرا أي كان سوريا أم غيره " غوطة دمشق " كما وصفها أحمد شوقي في هذه القصيدة
الرائعة . رحم الله شاعر العرب أحمد شوقي فقد استحق بحق لقب أمير الأمراء